فصل: (باب العين والجيم وما يثلثهما)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم مقاييس اللغة ***


‏(‏باب العين والتاء وما يثلثهما‏)‏

‏(‏عتد‏)‏

العين والتاء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حضورٍ وقُرب‏.‏ قال الخليل‏:‏ تقول عَتُدَ الشّيءُ، وهو يعتُد عَتاداً، فهو عَتيدٌ حاضر‏.‏ قال‏:‏ ومن ذلك سمِّيت العتيدة‏:‏ التي يكون فيها الطِّيب والأدهان‏.‏ ويقال للشَّيء المعْتَد‏:‏ إنّه لعتيد، وقد أعتدْناه، وهيَأناه لأمرٍ إنْ حَزَب‏.‏ وجمع العَتَاد عُتُدٌ وأعْتِدة‏.‏ قال النّابغة‏:‏

عَتَادَ امرئٍ لا ينقُضُ البُعدُ هَمَّه *** طَلُوبِ الأعادِي واضحٍ غيرِ خاملِ

قال الخليل‏:‏ يقولون هذا الفرس عَتَدٌ، أي مُعَدّ متى شاء صاحبهُ رَكِبَه، الذَّكرُ والأنثى فيه سواء‏.‏ قال سلامة بن جندل‏:‏

بكل مُحنَّبٍ كالسِّيدِ نَهْدٍ *** وكُلِّ طُوَالةٍ عَتَدٍ مِزَاقِ

فأمَّا العَتُود فذكَرَ الخليلُ فيه قياساً صحيحاً، وهو الذي بَلغ السِّفادَ‏.‏ فإن كان كذا فكأنَّه شيءٌ أُعِدّ للسِّفاد، والجمع عِدَّان على وزنِ فِعْلان، وكان الأصل عِتْدَان فأُدغمت التاء في الدال‏.‏ قال الأخطل‏:‏

واذكر غَدَانَةَ مزَنَّمة *** من الحَبَلَّقِ تُبنَى حولَها الصِّيَرُ

‏(‏عتر‏)‏

العين والتاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على معنيين، أحدهما الأصل والنِّصاب، والآخر التفرُّق‏.‏

فالأوُّل ما ذكره الخليل أن عِتْرَ كلِّ شيء‏:‏ نصابه‏.‏ قال‏:‏ وعِتْرَةُ المِسْحاةِ‏:‏ خشبتها التي تسمَّى يَدَ المسحاة‏.‏ قال‏:‏ ومن ثَمَّ قيل‏:‏ عترة فلان، أي مَنْصِبه‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ هم أقرباؤه، مِن ولدِه وولدِ ولده وبني عمِّه‏.‏ هذا قولُ الخليل في اشتقاق العِتْرَة، وذكر غيرُه أنَّ القياسَ في العِترة ما نذكره من بعد‏.‏

والأصل الثاني‏:‏ العِتْر، قال قومٌ‏:‏ هو الذي يقال له‏:‏ المَرْزَنْجُوش‏.‏ قال‏:‏ وهو لا ينبُت إلاّ متفرِّقاً‏.‏ قال‏:‏ وقياس عِترة الإنسان من هذا، لأنهم أقرباؤه متفرِّقي الأنساب، هذا من أبيه وهذا من نسله كولده‏.‏ وأنشد في العِتْر‏:‏

فما كنتُ أخشَى أن أُقِيمَ خِلافهم *** لستّةِ أبياتٍ كما ينبت العِتْرُ

فهذا يدلُّ على التفرُّق، وهو وجهٌ جميل في قياس العِترة‏.‏

ومما يُشبهه عِتْرُ المسك، وهي حَصاةٌ تكون متفرِّقة فيه‏.‏ ولعلَّ عِتْرُ المِسك أن تكون عربيَّة صحيحة فإِنَّها غير بعيدة مما ذكرناه، ولم نسمَعْها من عالم‏.‏

ومن هذا الأصل قولهم‏:‏ عَتَرَ الرُّمحُ فهو يَعْتِرُ عَتراً وعَتَرَاناً، إذا اضطَرَبَ وترأَّدَ في اهتزاز‏.‏ قال‏:‏

* وكلّ خطّيٍّ إذا هُزَّ عَتَرْ *

وإنما قلنا إنّه من الباب لأنّه إذا هُزّ خيّل أنّه تتفرّق أجزاؤه‏.‏ وهذا مشاهَد، فإن صحَّ ما تأوَّلناه وإلاّ فهو من باب الإِبدال يكون من عَسَل، وتكون التاء بدلاً من السين والرَّاءُ بدلاً من اللام‏.‏

وممّا يصلح حملُه على هذا‏:‏ العَتيرة؛ لأنَّ دَمها يُعْتَر، أي يُسَالُ حتى يتفرَّق‏.‏ قال الخليل‏:‏ العاتر‏:‏ الذي يَعْترُ شاةً فيذبحُها، كانوا يفعلون ذلك في الجاهليَّة، يذبحُها ثم يصبُّ دمَها على رأس الصَّنَم، فتلك الشَّاةُ هي العَتيرة والمعتورة، والجمع عتائر‏.‏ وكان بعضُهم يقول‏:‏ العتير هو الصنم الذي تُعْتَرُ لـه العتائر في رَجب‏.‏ وأنشد لِزُهير‏:‏

فَزَلَّ عنها وأوفَى رأسَ مَرقَبةٍ *** كمَنْصَبِ العِتْر دَمَّى رأسه النُّسُكُ

فإن كان صحيحاً هذا فهو من الباب الأوّل، وقد أفصح الشاعر بقياسه حيث قال‏:‏

* كمنصب العِتْرِ دَمَّى رأسَه النُّسكُ *

‏(‏عتق‏)‏

العين والتاء والقاف أصل صحيح *يجمع معنى الكرم خِلْقةً وخُلُقاً، ومعنى القِدَم‏.‏ وما شذَّ من ذلك فقد ذُكِر على حدة‏.‏

قال الخليل‏:‏ عَتَق العبد يَعْتِق عَتاقاً وعَتاقةً وعُتوقاً، وأعتقه صاحبُه إعتاقاً‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏ عَتَق فلانٌ بعد استعلاجٍ، إذا صار رقيقَ الخِلْقة بعد ما كان جافياً‏.‏ ويقال‏:‏ حلف بالعَتَاق، وهو مولى عَتَاقةٍ‏.‏ وصار العبد عتيقاً‏.‏ ولا يقال عاتق في موضع عتيق إلاّ أن تنوى فعلهُ في قابل، فتقول عاتقٌ غداً‏.‏ وامرأة عتيقةٌ حُرَّةٌ من الأمُوَّة‏.‏ وامرأةٌ عتيقة أيضاً، أي جميلة كريمة‏.‏ وفرس عتيق‏:‏ رائع بيِّن العِتْق، وثوب ناعمٌ عتيق‏.‏ والعتيق أيضاً‏:‏ الكريم من كلِّ شيء‏.‏ وقد عَتَق وعَتُق، إذا أتَى عليه زمن‏.‏

قال الخليل‏:‏ جاريةٌ عاتق، أي شابّة أوّلَ ما أدركت‏.‏ قال ابنُ الأعرابيِّ‏:‏ إنما سمِّيت عاتقاً لأنّها عَتَقت من الصِّبا وبلغت أنْ تَدَرَّع‏.‏ قالوا‏:‏ والجوارح من الطير عِتاقٌ لأنّها تصيد ولا تصاد، فهي أكرمُ الطَّير، وكأنّها عتَقت أن تُصاد، وذلك كالبازِي وما أشبهه‏.‏ قال لبيد‏:‏

فانتضَلْنا وابنُ سلمى قاعدٌ *** كعَتيق الطَّيرِ يُغضِي ويُجَلّ

قال أبو عبيد‏:‏ أعتقت المالَ فعَتق، أي أصلحتُه فصَلَح‏.‏ ويقال‏:‏ عَتَقت الفرسُ، إذا سَبَقت‏.‏

قال الأصمعيّ‏:‏ وكنت بالمِرْبد فأُجرِيَ فَرَسان، فقال أعرابيّ‏:‏ هذا أوَان عَتَقت الشَّقْراء، أي سبقت‏.‏ ويقال‏:‏ فلانٌ مِعتاقُ الوَسِيقة، إذا طرد طريدةً أنجاهَا وسَلِمَ بها‏.‏ ويقال‏:‏ ما أبْيَنَ العِتْق في وجه فلانٍ، أي الكرم‏.‏

قال الخليل‏:‏ البيت العتيق‏:‏ الكعبة، لأنّه أوّلُ بيتٍ وُضِع للنّاس‏.‏ قال الله تعالى‏:‏‏{‏ولْيَطَّوَّفُوا بالبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏ ‏[‏الحج 29‏]‏‏.‏ ويقال‏:‏ سمِّي بذلك لأنّه أُعِتقَ من الغَرَق أيّامَ الطُّوفان فرُفع‏.‏ ويقال أُعتِق من الحبشة عامَ الفيل ويقال‏:‏ أُعتِقَ من أنْ يدَّعِيَه أحدٌ فهو بيتُ الله تعالى‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ من أمثالهم‏:‏ ‏"‏لولا عِتْقُه لقد بلى‏"‏، يقال ذلك للرَّجل إذا ثَبَتَ ودام‏.‏ وقال الخليل‏:‏ العاتق من الطَّير فوقَ النَّاهض‏.‏ وقال الأصمعيّ‏:‏ يقال أخذ فرْخ قطاة عاتقاً، إذا استقلَّ وطار‏.‏ ونرى أنّه من عَتَقت الفرسُ‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏ طيرٌ عاتِق، إذا كان فوقَ النَّاهض، لأنَّه قد خرج عن حد الزقّ‏.‏ فأما العاتق من الزِّقاق فهو الواسع الجيِّد، وهذا على معنى التَّشبيه بالشيء الكريم‏.‏ قال لبيد‏:‏

أُغلِي السِّباءَ بكلِّ أدكَنَ عاتقٍ *** أو جَونةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها

وقال الخليل‏:‏ شرابٌ عاتقٌ، أي عتيق‏.‏ قال أبو زُبَيد‏:‏

لا تَبعدَنَّ إداوةٌ مطروحة *** كانت زماناً للشَّرَاب العاتق

ويقال للبِئر القديمة عاتقة‏.‏ والخمر العتيقة‏:‏ التي عُتّقَت زماناً حتى عَتَقت‏.‏ قال الأعشى‏:‏

وسبيئةٍ ممَّا تُعَتِّقُ بابلٌ *** كدم الذَّبيحِ سلبتُها جِريالَها

قال بعضهم‏:‏ العاتق في وصف الخمر التي لم تُفَضَّ ولم تُبزَل، ذَهَبَ إلى الجارية العاتق التي لم تَبِنْ عن أبويها‏.‏ ويقال‏:‏ بل الخمر العاتق من القِدم، وكلُّ شيء تقادَمَ فهو عاتق وعتيق‏.‏ قال ابنُ الأعرابيّ‏:‏ كلُّ شيء بلغ إنَاهُ فقد عَتَق، وسمِّي العبدُ عتيقاً لأنَّهُ بلغَ غايَته‏.‏ فأمّا قولُ عنترة‏:‏

كَذَبَ العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٌ *** إن كنتِ سائلتِي غبوقاً فاذهَبِي

فقال قوم‏:‏ إنَّه نوعٌ من التَّمر العتيق‏.‏ ومعنى كَذَب، أي عليك بهذا النَّوع‏.‏ ويقال بل العتيق‏:‏ الماء؛ وسمِّيَ بذلك لأنَّه أجلُّ الأشربة، وفيه الحياة‏.‏

ومن القِدَم الذي ذكرناه قولُهم‏:‏ عَتُقَتْ عليه يمينٌ، أي قَدُمَت ووجَبَت‏.‏ قال‏:‏

عليَّ أَلِيَّةٌ عتقَتْ قديماً *** فليس لها وإن طُلبِت مَرَامُ

ويقال لكلِّ كريمٍ عتيق‏.‏

ومما شذَّ عن هذا الأصل‏:‏ عاتقا الإنسان، وهما ما بين المَنكِبَين والعُنق، والجمع العواتق‏.‏ ويقال العاتق يذكَّر ويؤنَّث‏.‏ وقال الأصمعيُّ‏:‏ يقال فلانٌ أمْيَل العاتق *إذا كان موضعُ الرداء منه معوَّجاً‏.‏ وقال في تأنيث العاتق‏:‏

لا صُلحَ بيني فاعلمُوه ولا *** بينكم ما حَمَلَتْ عاتقي

سَيفي وما كُنَّا بنجدٍ وما *** قَرْقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشَّاهقِ

قال ابن الأعرابيّ‏:‏ العاتق‏:‏ القَوس التي تغيَّر لونها واسودَّت، وهذا أيضاً من القِدَم راجعٌ إلى الباب الأوّل‏.‏

‏(‏عتك‏)‏

العين والتاء والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على قريبٍ من الذي قبله، وليس ببعيدٍ أن يكونَ من باب الإبدال، وهو من الإقدام والقِدَم‏.‏

قال الخليلُ وغيره‏:‏ عَتَك فلانٌ ‏[‏بفلانٍ ‏]‏، إذا أقْدَمَ عليه ضرباً لا يُنهنِهُه شيء‏.‏ قال الأصمعيُّ‏:‏ هو أن يَحمِلَ عليه حملةَ أخْذٍ وبَطْش‏.‏ قال الخليل‏:‏ عَتَكَ الرّجُل يَعْتِك عَتْكاً وعُتُوكاً، إذا ذَهَب في الأرض‏.‏ والقوس العاتكة طالَ عليها العهدُ حتَّى احمرَّت‏.‏ قال الهذلي‏:‏

وصَفراء البُرايةِ عُودِ نَبْعٍ *** كوَقْف العاجِ عاتكة ‏[‏اللِّيَاطِ ‏]‏

‏[‏وامرأة عاتكة‏]‏، إذا كانت متضمِّخة بالخَلَوق‏.‏ ومنه عَتَكتِ القوس‏.‏ قال الخليل‏:‏ يقال لكلِّ كريم عاتك، أي قديم‏.‏ وأصله من عَتَكت القَوس‏.‏

‏(‏عتل‏)‏

العين والتاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على شِدّةٍ وقوّة في الشَّيء‏.‏ من ذلك الرّجل العُتُلّ، وهو الشَّديد القويَّ المصحَّح الجِسم؛ واشتقاقُه من العَتَلة التي يُحفَر بها‏.‏ والعَتَلة أيضاً‏:‏ الهِراوة الغليظة من الخشَب، والجمع عَتَل‏.‏ وقال‏:‏

وأينما كنتَ من البلادِ ***

فاجتنبَنَّ عُرَّمَ الذُّوّادِ

وضَربَهم بالعَتَل الشِّدادِ

ومن الباب العَتْل، وهو أن تأخذ بتَلبيب الرّجُل فتَعتِله، أي تجرّه إليك بقوّة وشدّة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَواءِ الجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏الدخان 47‏]‏‏.‏ ولا يكون عَتْلاً إلاّ بجفاءٍ وشِدّة‏.‏ وزعم قومٌ أنّهم يقولون‏:‏ لا أنعتِل معك‏:‏ أي لا أنقاد معك‏.‏

‏(‏عتم‏)‏

العين والتاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على إبطاء في الشَّيء أو كفٍّ عنه‏.‏ قال الخليل‏:‏ عَتَّم الرجل يُعَتِّم، إذا كفَّ عن الشيء بعد المضيِّ فيه، وعَتَم يَعْتم‏.‏ وحملتُ على فُلانٍ فما عتَّمت أن ضربتُه، أي ما نَهنَهت وما نكَلت وما أبطأت‏.‏ وفي الحديث‏:‏ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس كذا وَدِيّةً ‏[‏فما عتَّمَتْ منها وَدِيَّة ‏]‏، أي ما أبطأت، حتّى عَلِقت‏.‏ وقال‏:‏

* مجامع الهام ولا يُعْتَمُ *

أي لا يُمْهَل ولا يُكَفّ‏.‏ وقال‏:‏

ولستُ عن القِرن الكميِّ بعاتمِ *** ولستُ بوَقَّافٍ إذا الخَيلُ أحجمت

قال‏:‏ والعَتَمة هو الثُّلث الأوّل من اللَّيل بعد غيبوبة الشَّمسِ والشَّفَق‏.‏ يقال‏:‏ أعْتَمَ القومُ، إذا صاروا في ذلك الوقت‏.‏ وجاء الضَّيفُ عاتماً، أي مُعْتِماً في تلك السَّاعة‏.‏

ومما شذَّ عن هذا الباب العتم‏:‏ الزَّيتون البرّيّ‏.‏ قال النابغة‏:‏

‏[‏تَستَنُّ بالضَّرْوِ من بَراقِشَ أو *** هَيلانَ أو ناضرٍ من العتمِ ‏]‏

‏(‏عتو‏)‏

العين والتاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على استكبار‏.‏ قال الخليل وغيرُه‏:‏ عتَا يَعتُو عتُوَّاً‏:‏ استكَبَر‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعَتَوْا عُتُوَّاً كَبِيراً‏}‏ ‏[‏الفرقان 21‏]‏‏.‏ وكذلك يعتُو عِتِياً، فهو عاتٍ، والملك الجبَّار عاتٍ، وجَبابِرةٌ عُتاة‏.‏ قال‏:‏

* والناس يعتُون على المُسلَّطِ *

ويقال‏:‏ تَعَتَّى فلانٌ وتعتّت فلانة، إذا لم تُطِع‏.‏ قال العجَّاج‏:‏

الحمد لله الذي استقلَّتِ *** بأمره السّماءُ واطمأنّتِ

* بأمره الأرضُ فما تَعتَّتِ *

أي ما عصَتْ‏.‏

‏(‏عتب‏)‏

العين والتاء والباء أصلٌ صحيح، يرجع كله إلى الأمر فيه بعضُ الصُّعوبة من كلامٍ أو غيره‏.‏ من ذلك العَتَبة، وهي أسكُفَّة الباب، وإنَّما سمِّيت بذلك لارتفاعها عن المكان المطمئنّ السَّهل‏.‏ وعَتَبات الدُّرْجة‏:‏ ‏[‏مَرَاقيها‏]‏، كلُّ مِرقاةٍ من الدُّرْجة عتَبة‏.‏ ويشبّه بذلك العتَباتُ تكون في الجبال، والواحدة عَتَبة، وتجمع أيضاً على عَتَب‏.‏ وكلُّ شيء جَسَا وجفا فهو يشتقُّ له هذا اللفظ، يقال فيه عَتَبٌ، إذا اعتراه ما يغيِّره عن الخُلوص‏.‏ قال‏:‏

فما في حُسْن طاعتِنا *** ولا في سَمْعِنا عَتَب

وقال في وصف سيف‏:‏

* مُجرّبَ الوَقعِ غيرَ ذي عَتَبِ *

أي غير ملتوٍ عن الضَّريبة ولا نابٍ عنها‏.‏

ويقولون‏:‏ حُمِل فلانٌ على عَتَبةٍ كريهة* وعَتَب كريه من بلاءٍ وشرّ‏.‏

قال المتلمَّس‏:‏

* يُعْلَى على العَتَب الكريهِ ويُوبَسُ *

ويقال للفحَل المعقول أو الظَّالع إذا مَشَى على ثلاثِ قوائم كأنّه يَقفِز‏:‏ عَتَب عَتَباناً‏.‏ قال الخليل‏:‏ وهذا تشبيهٌ، كأنّه يمشي على عتبات الدّرجةِ فينزُو من عَتبةٍ إلى عتبة‏.‏ ويقال عتِّب لنا عَتبةً، أي اتَّخذْها‏.‏

ومن الباب، وهو القياسُ الصحيح‏:‏ العَتْب‏:‏ المَوْجِدة‏.‏ تقول‏:‏ عَتَبتُ على فلان عَتْباً ومَعْتَِبَة، أي وَجَدْت عليه‏.‏ ثم يشتقّ منها فيقال‏:‏ أعتَبَني، أي ترك ‏[‏ما كنت ‏]‏ أجد عليه ورجع إلى مَسَرَّتي؛ وهو مُعْتِب راجعٌ عن الإساءة‏.‏ وأنشد‏:‏

عتبتُ على جُمْلٍ ولستُ بشامتٍ *** بجُملٍ وإن كانت بها النّعلُ زلَّتِ

ويقولون‏:‏ أعطانِي العُتْبَى، أي أعتَبني‏.‏ ولك العُتْبَى، أي أعطيتك العتبَى‏.‏ والتعتُّب، إذا قال هذا وهذا يَصِفان الموجِدة‏.‏ وكذلك المعاتبة، إذا لامك واستزادك قلت عاتِبْني‏.‏ قال‏:‏

إذا ذهب العتابُ فليس حُبٌّ *** ويبقى الحبُّ ما بقي العتابُ

ويقال للرّجُل إذا طَلب أنْ يُعتَب‏:‏ قد استَعتَب‏.‏ قال أبو الأسود‏:‏

فعاتبتُه ثم راجعته *** عتاباً رقيقاً وقولاً أصيلا

فألفيتُه غيرَ مستعتبٍ *** ولا ذاكِرَ اللهَِ إلاّ قليلا

وقال بعضهم‏:‏ ما رأيت عند فلان عُتْباناً، إذا أردت أنّه أعتبك ولم تر لذلك بَياناً‏.‏

‏(‏باب العين والثاء وما يثلثهما‏)‏

‏(‏عثر‏)‏

العين والثاء والراء أصلانِ صحيحان، يدل أحدهما على الاطِّلاع على الشيء، والآخر ‏[‏على‏]‏ الإثارة للغُبار‏.‏

فالأوَّل عَثَر عُثُوراً، وعثر الفرسُ يعثُر عِثاراً، وذلك إذا سقَطَ لوجهه‏.‏ قال بعض أهل العلم‏:‏ إنما قيل عَثَر من الاطِّلاع، وذلك أنَّ كل عاثرٍ فلا بدَّ أن ينظر إلى موضع عَثْرته‏.‏ ويقال‏:‏ عَثَر الرجل يعثُر عُثوراً وعَثراً، إذا اطَّلع على أمرٍ لم يطَّلع عليه غيرُه‏.‏ كذا قال الخليل‏.‏ وأعثَرْتُ فلاناً على كذا، إذا أطلعتَه عليه‏.‏ قال الله تعالى‏:‏‏{‏فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً‏}‏ ‏[‏المائدة 107‏]‏، أي إن اطُّلِع‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الكهف 21‏]‏‏.‏ والعاثور‏:‏ المكان يُعثَر به‏.‏ قال‏:‏

* وبلدةٍ كثيرةِ العاثور *

أراد كثيرة المتالف‏.‏

والأصل الآخر العِثْيَر ‏[‏والعِثْيرة‏]‏، وهو الغُبار الساطع‏.‏ قال‏:‏

* ترى لهم حَولَ الصِّقَعْل عِثْيرهْ *

فأمَّا قولهم‏:‏ ما رأيتُ له أثراً ولا عَثْيَراً، فقالوا‏:‏ العَثْيَر‏:‏ ما قُلِب من تراب أو مَدَر‏.‏ وهو ارجعٌ إلى ما ذكرناه‏.‏ وقال‏:‏

* لقد عَيْثَرتَ طيرَك لو تعيفُ *

أي رأيتها جَرَتْ، كأنَّه أراد الأثر‏.‏

‏(‏عثل‏)‏

ذكروا فيه كلمةً إن صحَّت‏.‏ يقال إن العِثْوَلَّ من الرِّجال‏:‏ الجافي‏.‏ قالوا‏:‏ والعَثُول‏:‏ النَّخلة الجافية الغليظة‏.‏ قال‏:‏

هَززتُ عَثُولاً مَصّت الماءَ والثَّرى *** زماناً فلم تَهمُمْ بأن تتبرّعا

‏(‏عثم‏)‏

العين والثاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على غِلَظ ونُتُوٍّ في الشَّيء‏.‏ قالوا‏:‏ العَيْثوم‏:‏ الضَّخْم الشَّديد من كلِّ شيء‏.‏ وقالوا‏:‏ وتُسَمَّى الفِيلَة العَيثوم‏.‏ قال يصف ناقة‏:‏

وقد أَسِيرُ أمامَ الحيِّ تحملُني *** والفَصْلتين كِنازُ اللّحم عيثوم

أي ضخمة شديدة‏.‏ ويقال للجمل الضَّخم عَيثوم‏.‏ والعَثَمْثم من الإِبل‏:‏ الطويل في ضِخَم، و‏[‏يقال‏]‏ في الجميع عثمثمات‏.‏ ورُبَّما وُصِف الأسدُ بالعثمثم‏.‏

ومن الباب العَثم، وهو أن يُساءَ جَبْر العَظْم فيبقى فيه عِوج ونتُوٌّ كالورَم‏.‏ ويقال هو عَثِمٌ وبه عَثْم، كأنَّه مَشَش‏.‏ قال الخليل‏:‏ وبه سمِّي عُثمان؛ لأنّه مأخوذ من الجبْر‏.‏ ويقال بل العثمان …

‏(‏عثن‏)‏

العين والثاء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على انتشارٍ في شيء وانتفاش‏.‏ من ذلك العُثَان، وهو الدُّخان، سمِّي بذلك لانتشاره في الهواء‏.‏ تقول عَثَّن يُعَثِّن، إذا دَخَّن‏.‏ والنار تَعْثُنُ وتُعثِّن‏.‏ وتقول‏:‏ عثَّنت البيتَ بريح الدُّخنة تعثيناً‏.‏ وعَثَن البيتُ يَعثُن عَثْناً، إذا عبِق به ريحُ الدُّخنة‏.‏ تقول‏:‏ عثَّنت الثَّوب بالطِّيب تعثيناً، كقولك *دخَّنته تدخينا‏.‏

ومن الباب العُثنون‏:‏ عُثْنون اللِّحية، وهو طُولها وما تحتَها من شَعَْرها‏.‏ وسمِّي بذلك للذي ذكرناه من الانتشار والانتفاش‏.‏

ومن الباب‏:‏ عُثْنُون الرِّيح‏:‏ هَيْدَبُها في أوائلها، إذا أقبلَتْ تجرُّ الغُبار جَرَّاً؛ والجمع العثانين‏.‏ وهَيدَبُها‏:‏ ما وقع على الأرض منها‏.‏ وقال ابن مُقْبل‏:‏

‏[‏هَيفٌ هَدُوج الضُّحى سهوٌ مناكبُها *** يكسونها بالعشيَّات العثانِينا‏]‏

وعُثنون البعير‏:‏ شُعَيرات عند مَذْبحه‏.‏ والجمع عثانين‏.‏

‏(‏عثي‏)‏

العين والثاء والحرف المعتلّ كلمةٌ تدلُّ على فَساد‏.‏ يقال عثا يعثو، ويقال عَثِيَ يَعْثَى، مثل عاثَ‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة 60، الأعراف 74، هود 85، الشعراء 183، العنكبوت 36‏]‏‏.‏

‏(‏باب العين والجيم وما يثلثهما‏)‏

‏(‏عجد‏)‏

العين والجيم والدال ليس بشيء، على أنهم يقولون‏:‏ العُجْد‏:‏ الزبيب‏.‏ ويقال هو العُنْجُد‏.‏

‏(‏عجر‏)‏

العين والجيم والراء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على تعقد في الشيء ونُتوٍّ مع التواء‏.‏ من ذلك العَجَر‏:‏ مصدر قولك عَجِرَ يَعْجَرُ عَجَراً‏.‏ والأعجر النّعت‏.‏ والعُجْرة‏:‏ موضع العَجَر‏.‏ ويقال‏:‏ حافر عَجُِرٌ‏:‏ صلب شديد‏.‏ قال مَرَّار بن مُنْقِذ‏:‏

سائلٍ شمراخُه ذي جُبَبٍ *** سَلِط السُّنبُك في رُسْغٍ عَجُِرْ

والأعجر‏:‏ كلُّ شيء ترى فهي عُقَداً؛ كبشٌ أعجرُ، وبطنٌ أعجر، إذا امتلأ جدّاً‏.‏ قال عنترة‏:‏

ابني زَبِيبةَ ما لمهركُمُ *** متخدّداً وبطونُكُمْ عُجْرُ

وقال بعضهم‏:‏ وأُراه مصنوعاً، إلاّ أنّ الخليل أنشدهُ‏:‏

حسن الثِّياب يبيت أعجَرَ طاعماً *** والضّيفُ من حُبِّ الطَّعام قد التَوَى

والعُجْرة‏:‏ كلُّ عقدةٍ في خشبةٍ أو غيرها مِن نحو عروق البدَن، والجمع عُجَر‏.‏ ومن الباب الاعتجار، وهو لفُّ العِمامة على الرأس من غير إدارةٍ تحت الحنَك‏.‏ قال‏:‏

جاءت به معتجراً ببُرْدِهْ *** سَفْوَاءُ تَرْدِي بنَسِيجِ وَحْدِهْ

وإنما سمِّيَ اعتجاراً لما فيه من لَيٍّ ونُتوّ‏.‏

ومما شذَّ عن هذا الأصل العَجِير، وهو من الخيل كالعِنِّين من الرِّجال‏.‏

‏(‏عجز‏)‏

العين والجيم والزاء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدُهما على الضَّعف، والآخر على مؤخَّر الشيء‏.‏

فالأول عَجِزَ عن الشيء يعجز عَجْزاً، فهو عاجزٌ، أي ضَعيف‏.‏ وقولهم إنّ العجزَ نقيضُ الحَزْم فمن هذا؛ لأنه يَضْعُف رأيُه‏.‏ ويقولون‏:‏ ‏"‏المرء يَعْجِز لا مَحَالة ‏"‏‏.‏ ويقال‏:‏ أعجزَني فلانٌ، إذا عَجِزْت عن طلبه وإدراكه‏.‏ ولن يُعجز للهَ تعالى شيء، أي لا يَعجِز اللهَ تعالى عنه متى شاء‏.‏ وفي القرآن‏:‏ ‏{‏لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً‏}‏ ‏[‏الجن 12‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏العنكبوت 22، الشورى 31‏]‏‏.‏ ويقولون‏:‏ عَجَزَ بفتح الجيم‏.‏ وسمعتُ عليَّ بن إبراهيمَ القطَّان يقول‏:‏ سمعت ثعلباً يقول‏:‏ سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يقول‏:‏ لا يقال عَجِزَ إلاَّ إذا عَظُمَتْ عجيزتُه‏.‏

ومن الباب‏:‏ العجوز‏:‏ المرأة الشَّيخة، والجمع عجائز‏.‏ والفعل عجَّزت تعجيزاً‏.‏ ويقال‏:‏ فلانٌ عاجَزَ فلاناً، إذا ذَهَب فلم يُوصَل إليه‏.‏ وقال تعالى‏:‏‏{‏يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعَاجزين‏}‏ ‏[‏سبأ 38‏]‏‏.‏ ويجمع العجوز على العُجُزِ أيضاً، وربَّما حملوا على هذا فسمَّوا الخمرَ عجوزاً، وإنما سمَّوها لقدَمها، كأنَّها امرأةٌ عجوز‏.‏ والعِجْزَة وابنُ العِجْزَة‏:‏ آخرُ ولد الشَّيخ‏.‏ وأنشد‏:‏

* عِجْزَةَ شيخَينِ يسمَّى مَعْبَدا *

وأمَّا الأصل الآخر فالعَجُز‏:‏ مؤخَّر الشيء، والجمع أعجاز، حتى إنهم يقولون‏:‏ عَجُز الأمرِ، وأعجازُ الأمور‏.‏ ويقولون‏:‏ ‏"‏لا تَدَبَّرُوا أعجازَ أمورٍ ولَّتْ صدورُها‏"‏‏.‏ قال‏:‏ والعَجيزة‏:‏ عجيزة المرأة خاصّة إذا كانت ضَخْمَةً، يقال امرأةٌ عَجْزَاء‏.‏ والجمع عَجيزَاتٌ كذلك‏.‏ قال الخليل‏:‏ ولا يقال عجائز، كراهة الالتباس‏.‏ وقال ذو الرُّمَّة‏:‏

عجزاءُ ممكورةٌ خُمصانةٌ قَلِقٌ *** عنها الوِشاحُ وتمّ الجسم والقصبُ

وقال أبو النَّجم‏:‏

مِن كلِّ عَجْزَاءَ، سَقوط البُرقُعِ *** بلهاءَ لَم تَحْفَظْ ولم تُضَيِّع

والعَجَز‏:‏ داء يأخذ الدّابةَ في عَجُزها، يقال هي عَجْزاء، والذّكر أعجَز‏.‏ ومما شُبّه ‏[‏في‏]‏ هذا الباب‏:‏ العَجْزاء من * الرَّمل‏:‏ رملة مرتفِعة كأنّها جبل، والجمع العُجْز‏.‏ وهذا على أنَّها شبِّهت بعجيزةِ ذاتِ العجيزة، كما قد يشبِّهون العَجِيزات بالرّمل والكثيب‏.‏ والعَجْزاء من العِقْبان‏:‏ الخفيفة العَجِيزة‏.‏ قال الأعشى‏:‏

* عَجْزاءُ تَرزُقُ بالسُّلَيِّ عيالَها *

وما تَركْنا في هذا كراهةَ التّكرار راجعٌ إلى الأصلين اللذين ذكرناهما‏.‏ وسمِعنا من يقول إنّ العَجوز‏:‏ نصلُ السَّيف‏.‏ وهذا إنْ صحَّ فهو يسمَّى بذلك لِقدمه كالمرأة العجوز، وإتْيان الأزمنة عليه‏.‏

‏(‏عجس‏)‏

العين والجيم والسين أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على تأخرِ الشيء كالعَجُز، في عِظَمٍ وغِلَظٍ وتجمّع‏.‏ من ذلك العَُِجْس والمَعْجِس‏:‏ مقبض ‏[‏القوس‏]‏، وعُجْسُها وعُجْزُها سواء‏.‏ وإِنَّما ذلك مشبَّه بعَجُز الإنسان وعَجيزته‏.‏ قال أوسٌ في العجس‏:‏

كتُومٌ طِلاعُ الكَفِّ لا دونَ مِلئِها *** ولا عَجْسُها عن موضع الكفِّ أفْضَلا

يقول‏:‏ عَجْسُها على قدر القَبْضة، سواء‏.‏ وقال في المَعْجِس مهلهِلٌ‏:‏

أنْبَضُوا ‏[‏مَعجِسَ‏]‏ القِسِيِّ وأبرقْـ *** نا كما تُوعِدُ الفحولُ الفُحولا

ومن الباب‏:‏ عَجَاسَاء اللَّيل‏:‏ ظُلْمته، وذلك في مآخيرِه؛ وشبِّهت بعَجَاساء الإبل‏.‏

قال أهل اللُّغة‏:‏ العَجَاساء من الإِبل‏:‏ العِظامُ المَسَانّ‏.‏ قال الراعي‏:‏

إذا بَرَكَتْ منها عَجاساء جِلّةٌ *** بمَحْنِيَةٍ أجْلى العِفاسَ وبَرْوَعا

العِفاس وبَرْوَع‏:‏ ناقتان‏.‏ وهذا منقاسٌ من الذي ذكرناه من مآخير الشَّيء ومُعظَمِه‏.‏ وذلك أنَّ أهل اللُّغة يقولون‏:‏ التعجُّس‏:‏ التأخُّر‏.‏ قالوا‏:‏ ويمكن أن يكون اشتقاق العَجَاساء من الإبل منه، وذلك أنَّها هي التي تَستأخِر عن الإبل في المرتَع‏.‏ قالوا‏:‏ والعَجَاساء من السَّحاب‏:‏ عِظامُها‏.‏ وتقول‏:‏ تَعَجَّسَني عَنْك كذا، أي أخَّرني عنك‏.‏ وكل هذا يدلُّ على صحَّة القياسِ الذي قِسناه‏.‏

وقال الدريديّ‏:‏ تعجَّسْتُ الرّجُلَ، إذا أَمَر أَمْراً فَغَيّرتَه عليه‏.‏ وهذا صحيحٌ لأنَّه من التعقُّب، وذلك لا يكون إِلاّ بعد مضيِّ الأوّل وإتيانِ الآخَرِ على ساقَتِه وعند عَجُزه‏.‏ وذَكرُوا أنَّ العَجِيساءَ‏:‏ مِشْيَةٌ بطيئة‏.‏ وهو من الباب‏.‏ ومما يدلُّ على صحَّة قياسِنا في آخر الليل وعَجَاسائهِ قولُ الخليل‏:‏ العجَسْ‏:‏ آخِر الليل‏.‏ وأنشد‏:‏

وأصحابِ صدقٍ قد بعثْتُ بجَوشَنٍ *** من اللَّيل لولا حبُّ ظمياءَ عرَّسُوا

فقامُوا يَجُرُّون الثِّيابَ وخَلفَهم *** من اللَّيل عَجْسٌ كالنَّعامةِ أقعسُ

وذكر أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابيّ‏:‏ أن العُجْسة آخِر ساعةٍ في اللَّيل‏.‏ فأمّا قولهم‏:‏ ‏"‏ولا آتيك سَجِيسَ عُجَيسٍ‏"‏ فمِن هذا أيضاً، أي لا آتيك آخِرَ الدَّهر‏.‏ وحُجّةُ هذا قول أبي ذؤيب‏:‏

سَقَى أمُّ عَمرٍو كلَّ آخِرِ ليلةٍ *** حَناتِمُ مُزْنٍ ماؤهن ثجيجُ

لم يُرِدْ أواخرَ اللَّيالي دون أوائلها، لكنّه أراد أبداً‏.‏

‏(‏عجف‏)‏

العين والجيم والفاء أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على هُزال، والآخَر على حَبْس النفس وصَبْرِها على الشَّيء أو عنه‏.‏

فالأوَّل العَجَف، وهو الهُزَال وذَهاب السِّمَن، والذّكر أعجف والأنثى عَجْفاء، والجمع عِجافٌ، من الذُّكْران والإِناث‏.‏ والفعل عَجِفَ يَعْجَف وليس في كلام العَرَب أفعَلُ مجموعاً على فِعال غيرُ هذه الكلمة، حملوها على لفظ سِمان‏.‏ وعِجافٌ على فِعال‏.‏ ويقال أعجَفَ القومُ، إذا عجِفت مواشيهم وهم مُعْجِفون‏.‏

وحَكَى الكسائيُّ‏:‏ شفَتانِ عَجفاوان، أي لطيفتان قال أبو عُبيد‏:‏ يقال عَجُفَ إذا هُزِل، والقياس عَجِف؛ لأنَّ ما كان على أفعل وفعلاء فماضيه فَعِل، نحو عَرِج يعرَج، إلاَّ ستّةَ حروف جاءت على فَعُل، وهي سَمُر، وحَمُق، ورَعُن، وعَجُف، وخَرُق‏.‏

وحكى الأصمعيُّ في الأعجم‏:‏ عَجُم‏.‏ وربَّما اتَّسعوا في الكلام فقالوا‏:‏ أرضٌ عجفاء، أي مهزولة لا خَيرَ فيها ولا نبات‏.‏ ومنه قول الرائد‏:‏ ‏"‏وجَدْتُ أرضاً عجفاء‏"‏‏.‏ ويقولون‏:‏ نَصلٌ أعجفُ، أي دقيق‏.‏ قال ابنُ أبي عائذ‏:‏

تراحُ يداه بمحشورةٍ *** خَوَاظِي القِداح عجافِ النِّصالِ

وأمَّا الأصل الثاني فقولهم‏:‏ عَجَفْتُ* نفسِي عن الطعام أعجِفها عَجْفاً، إذا حبستَ نفسَك عنه وهي تشتهيه‏.‏ وعَجَفْت غيرِي قليلٌ‏.‏ ‏[‏قال‏]‏‏:‏

لم يَغْذُها مُدٌّ ولا نَصيفُ *** ولا تُمَيْراتٌ ولا تعجيفُ

ويقال‏:‏ عَجَفْت نفسي على المَريض أعْجِفها، إذا صَبَرْتَ عليه ومرَّضْتَه‏.‏ ‏[‏قال‏]‏‏:‏

إنِّي وإِنْ عيَّرتني نُحولِي***لأَعجِفُ النَّفسَ على خليلي

* أُعْرِضُ بالوُدِّ وبالتَّنويلِ *

‏(‏عجل‏)‏

العين والجيم واللام أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدُهما على الإسراع، والآخر على بعض الحيَوان‏.‏

فالأوّل‏:‏ العَجَلة في الأمرِ، يقال‏:‏ هو عَجِلٌ وعَجُل، لغتان‏.‏ قال ذو الرّمّة‏:‏

كأنَّ رِجلَيه رِجلاَ مُقْطِفٍ عَجُِلٍ *** إذا تَجَاوَبَ من بُرْدَيه ترنيمُ

واستعجلتُ فلاناً‏:‏ حثثته‏.‏ وعَجِلْتُه‏:‏ سبَقْته‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ‏}‏ ‏[‏الأعراف 150‏]‏‏.‏ والعُجَالَة‏:‏ ما تُعَجِّلُ من شيء‏.‏ ويقال‏:‏ ‏"‏عُجَالة الرَّاكبِ تمرٌ وسَويق‏"‏‏.‏ وذكر عن الخليل أنَّ العَجَل‏:‏ ما استُعجِل به طعامٍ فقُدِّم قبل إدراك الغِذاء‏.‏ وأنشد‏:‏

إن لم تُغِثْنِي أكُنْ ياذا النَّدَى عَجَلاً *** كلُقمةٍ وقَعتْ في شِدقِ غَرثانِ

ونحن نقول‏:‏ أمّا قياس الكلمة التي ذكرناها فصحيح، لأنَّ الكلمةَ لا أصلَ لها، والبيت مصنوع‏.‏

ويقال‏:‏ من العُجَالة‏:‏ عجَلتُ القَوْمَ، كما يقال لَهَّنْتُهُمْ‏.‏ وقال أهل اللُّغة‏:‏ العاجل‏:‏ ضد الآجل‏.‏ ويقال للدُّنيا‏:‏ العاجلة، وللآخرة‏:‏ الآجلة‏.‏ والعَجْلان هو كعب بن ربيعة بن عامر، قالوا‏:‏ سمِّي العَجْلانَ باستعجالِهِ عَبْدَه‏.‏ وأنشدوا‏:‏

وما سُمِّيَ العَجْلاَنَ إِلاّ لقولـه *** خُذِ الصَّحْنَ واحْلُبْ أيُّهَا العبدُ واعجَلِ

وقالوا‏:‏ إنَّ المُعَجِّل والمُعْجِل من النُّوق‏:‏ التي تُنْتَج قبل أن تستكمل الوقتَ فيعيش ولدُها‏.‏

وممّا حُمِل على هذا العَجَلة‏:‏ عَجَلة الثِّيران‏.‏ والعَجَلة‏:‏ المنجنون التي يُسْتَقى عليها، والجمع عَجَل وعَجَلات‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ العَجَلة‏:‏ خشبةٌ معترِضة على نَعَامَتي البِئرِ والغَرْبُ مُعلَّقٌ بها، والجمع عَجَل‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ العَجَلة‏:‏ المَحَالة‏.‏ وأنشد‏:‏

وقد أعَدَّ ربُّها وما عَقَلْ *** حمراءَ من ساجٍ تَتقّاها العَجَلْ

ومن الباب‏:‏ العِجْلة‏:‏ الإداوَة الصَّغيرة، والجمْع عِجَل‏.‏ وقال الأعشى‏:‏

والسّاحباتِ ذيولَ الخزِّ آونةً *** والرافلاتِ على أعجازها العِجَلُ

وإنما سمِّيت بذلك لأنها خفيفة يعجَل بها حاملُها‏.‏ وقال الخليل‏:‏ العَجُول من الإبل، الواله التي فَقَدَت ولدَها، والجمع عُجُل‏.‏ وأنشد‏:‏

أحِنُّ إليك حنين العَجُول *** إذا ما الحمامة ناحت هديلا

وقالت الخنساء‏:‏

فما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطِيف به *** قد ساعدَتْهَا على التَّحنانِ أظآرُ

قالوا‏:‏ وربما قيل للمرأة الثَّكلى عَجُول، والجمع عُجُل‏.‏ قال الأعشى‏:‏

حتى يظلَّ عميدُ القَوْمِ مرتفقاً *** يَدفَع بالرّاح عنه نِسْوةٌ عُجُلُ

ولم يفسِّرُوه بأكثر من هذا‏.‏ قلنا‏:‏ وتفسيره ما يلحق الوالهَ عند ولهه من الاضطراب و العَجَلة، إلاّ أنَّ هذه العَجول لم يُبْنَ منها فِعل فيقال‏:‏ عَجِلتْ، كما بُنِي من الثُّكل ثَكِلتْ، والأصل فيه واحد، إلاّ أنّه لم يأت من العرب‏.‏

والأصل الآخر العِجْل‏:‏ ولد البقرة؛ وفي لغةٍ عِجَّوْل، والجمع عجاجيل، والأنثى عِجْلَة وعِجَّولة، وبذلك سُمِّي الرجل عِجْلاً‏.‏

‏(‏عجم‏)‏

العين والجيم والميم ثلاثة أصول‏:‏ أحدها يدلُّ على سكوتٍ وصمت، والآخَر على صلابةٍ وشدة، والآخر على عَضٍّ ومَذَاقة‏.‏

فالأوَّل الرجُل الذي لا يُفصح، هو أعجمُ، والمرأة عجماءُ بيِّنة العُجمَة‏.‏ قال أبو النَّجم‏:‏

* أعجمَ في آذانها فصيحا *

ويقال عَجُم الرجل، إذ صار أعجَم، مثل سَمُر وأدُم‏.‏ ويقال للصَّبيِّ ما دام لا يتكلَّم لا يُفصح‏:‏ صبيٌّ أعجم‏.‏ ويقال‏:‏ صلاةُ النَّهار عَجْماء، إنما أراد أنّه لا يُجهر فيها بالقراءة‏.‏ وقولهم‏:‏ العَجَمُ الذين ليسوا من العرب، فهذا من هذا القياس كأنَّهم لمّا لم يَفْهَمُوا عنهم سَمُّوهم عَجَماً، ويقال لهم عُجْم أيضاً‏.‏ قال‏:‏

دِيارُ ميَّةَ إذْ* مَيٌّ تُسَاعِفُنا *** ولا يَرَى مثلها عُجْم ولا عَرَبُ

ويقولون‏:‏ استَعجمَتِ الدَّارُ عن جَواب السَّائل‏.‏ قال‏:‏

صَمَّ صَداها وعفَا رَسمُها *** واستَعْجَمَتْ عن مَنطقِ السّائلِ

ويقال‏:‏ الأعجميّ‏:‏ الذي لا يُفْصِح وإنْ كان نازلاً بالبادية‏.‏ وهذا عندنا غلَط، وما نَعلم أحداً سمَّى أحداً من سكان البادية أعجميَّاً، كما لا يسمُّونه عجميّاً، ولعلَّ صاحبَ هذا القول أراد الأعجم فقال الأعجميّ‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏ يقال‏:‏ بعيرٌ أعجمُ، إذا كان لا يَهدِر‏.‏ والعجماء‏:‏ البهيمة، وسمِّيت عجماءَ لأنّها لا تتكلم، وكذلك كلُّ مَن لم يَقدرِ على الكلام فهو أعجمُ ومُستعجِم‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏"‏جُرْحُ العَجْماء جُبَارٌ‏"‏، تراد البَهيمة‏.‏

قال الخليل‏:‏ حروف المعْجَم مخفّف، هي الحروف المقطَّعة، لأنّها أعجمية‏.‏ وكتابٌ مُعَجَّم، وتعجيمه‏:‏ تنقيطه كي تستبين عُجْمَتُه ويَضِحَ‏.‏ وأظنُّ أن الخليل أراد بالأعجمية أنّها ما دامت مقطَّعةً غير مؤلّفة تأليفَ الكلامِ المفهومِ، فهي أعجميَّة؛ لأنَّها لا تدلُّ على شيء‏.‏ فإن كان هذا أراد فله وجه، وإلاّ فما أدري أيَّ شيء أَرَادَ بالأعجميَّة‏.‏ والذي عندنا في ذلك أنّه أُريد بحروف المُعجَم حُروفُ الخطِّ المُعْجَم، وهو الخطُّ العربيّ، لأنَّا لا نعلم خَطَّاً من الخطوط يُعْجَم هذا الإعجامَ حتَّى يدلّ على المعاني الكثيرة‏.‏ فأمَّا إعجام الخطِّ بالأَشكالِ فهو عندنا يدخل في باب العضِّ على الشَّيء لأنّه فيه، فسمي إعجاماً لأنّه تأثيرٌ فيه يدلُّ على المعْنى‏.‏

فأمّا قولُ القائل‏:‏

* يريدُ يعرِبَه فيُعجِمُه *

فإنّما هو من الباب الذي ذكرناه‏.‏ ومعناه‏:‏ يريد أن يُبِين عنه فلا يقدرُ على ذلك، فيأتي به غيرَ فصيح دالّ على المعنى‏.‏ وليس ذلك من إعجام الخطّ في شيء‏.‏

‏(‏عجن‏)‏

العين والجيم والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على اكتناز شيءٍ ليِّنٍ غير صُلب‏.‏ من ذلك العَجَن، وهو اكتناز لحمِ ضَرْع النّاقة، وكذلك من البَقَر والشّاء‏.‏ تقول‏:‏ إنّها عَجْناءُ بيِّنة العَجَن‏.‏ ولقد عَجِنَتْ تَعْجَنُ عَجَناً‏.‏ والمتَعجِّن من الإِبل‏:‏ المكتنِز سِمَناً، كأنّه لحمٌ بلا عَظْم‏.‏

ومن الباب‏:‏ عَجَن الخبَّازُ العجِينَ يَعجِنه عَجْناً‏.‏ وممّا يقرُب من هذا قولُهم للأحمق، عجَّانٌ، وعجينة‏.‏ قال‏:‏ معناه أنَّهم يقولون‏:‏ ‏"‏فلانٌ يَعجن بِمرفَقَيه عْجناً ‏"‏، ثم اقتَصَروا على ذلك فقالوا‏:‏ عِجينةٌ وعَجّان، أي بمرْفَقَيه، كما جاء في المثل‏.‏

ومن الباب‏:‏ العِجان، وهو الذي يَستبرِئه البائل، وهو ليِّن‏.‏ قال جَرير‏:‏

يَمُدُّ الحبلَ معتمداً عليه *** كأنّ عجانَه وترٌ جديدُ

‏(‏عجي‏)‏

العين والجيم والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على وَهَْن في شيءٍ، إما حادثاً وإمّا خِلقة‏.‏

من ذلك العُجَايَة، وهو عصبٌ مركَّب فيه فُصوصٌ من عِظام، يكونُ عند رُسْغ الدّابَّة، ويكون رِخواً، وزعموا أنَّ أحدَهم يجوع فيدُقُّ تلك العُجَاية بَيْنَ فِهْرَين فيأكلُها‏.‏ والجمع العُجَايات والعُجَى‏.‏ قال كعبُ بن زُهير‏:‏

سُمرُ العُجاياتِ يترُكْنَ الحَصى زِيَماً *** لم يَقِهِنَّ رؤوسَ الأُكمِ تنعيلُ

ومما يدلُّ على صِحَّة هذا القياسِ قولهم للأمّ‏:‏ هي تَعجُو ولدَها، وذلك أن يُؤَخَّر رَضاعُه عن مَوَاقيتِه، ويُورِث ذلك وَهَْنَاً في جِسْمه‏.‏ قال الأعشى‏:‏

مشفِقاً قلبُها عليه فما تعـ *** ـجُوه إِلاَّ عُفافَةٌ أو فُواقُ

العُفافَة‏:‏ الشَّيء اليسير‏.‏ والفُواق‏:‏ ما يجتمع في الضَّرع قبل الدِّرَّة‏.‏ وتَعْجُوه، أي تداويه بالغِذاء حَتّى ينهض‏.‏ واسم ذلك الولد العَجِيُّ، والأنثى عَجِيَّة، والجمع عَجَايا‏.‏ قال‏:‏

عداني أن أزُورَك أنّ بَهْمِي *** عَجَايا كلها إلا قليلا

وإذا مُنِع الولدُ اللّبَن وغُذِّي بالطّعام، قيل‏:‏ قد عُوجِي‏.‏ قال ذو الإصبع‏:‏

إذا شئت أبصرت من عَقْبِهم *** يَتامَى يُعاجَوْنَ كالأذؤُبِ

وقال آخر في وصف جراد‏:‏

إذا ارتحلت من منزلٍ خَلّفَتْ به *** عَجَايا يحاثي بالتُّرابِ صغيرُها

ويروى‏:‏ ‏"‏رذايا يُعاجَى‏"‏‏.‏

‏(‏عجب‏)‏

العين والجيم والباء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدهما على كِبْر واستكبارٍ للشَّيء، والآخر خِلْقة من خِلَق الحيوان‏.‏

فالأوّل* العُجْب، وهو أن يتكبَّر الإنسان في نفسه‏.‏ تقول‏:‏ هو مُعجَبٌ بنَفْسِه‏.‏ وتقول من باب العَجَب‏:‏ عَجِب يَعْجَبُ عَجَباً، وأمرٌ عجيب، وذلك إذا استُكْبِر واستُعْظِم‏.‏ قالوا‏:‏ وزعم الخليل أنّ بين العَجِيب والعُجابِ فرقاً‏.‏ فأمّا العجيب والعَجَب مثله ‏[‏فالأمرُ يتعجَّب منه ‏]‏، وأمّا العُجَاب فالذي يُجاوِز حدَّ العجيب‏.‏ قال‏:‏ وذلك مثل الطَّويل والطُّوال، فالطويل في النَّاس كثير، والطُّوال‏:‏ الأهوج الطُّول‏.‏ ويقولون‏:‏ عجَبٌ عاجب‏.‏ والاستعجاب‏:‏ شدة التعجُّب؛ يقال مُستَعجِب ومتعجِّب مما يرى‏.‏ قال أوس‏:‏

ومستعجِبٍ مِمَّا يرى مـن أناتِنا *** ولو زَبنَتْه الحربُ لم يَترمرم

وقِصَّةٌ عَجَب‏.‏ وأعجبَني هذا الشَّيء، وقد أُعِجبْت به‏.‏ وشيء مُعْجِبٌ، إذا كان حسَناً جِدّاً‏.‏

والأصل الآخر العَجْب، وهو من كلِّ دابة ما ضُمَّتْ عليه الورِكان من أصل الذّنَب المغروز في مُؤَخَّر العَجُز‏.‏ وعُجُوب الكُثْبان سمِّيت عُجوباً تشبيهاً بذلك، وذلك أنّها أواخِر الكُثْبان المستدِقَّة‏.‏ قال لبيد‏:‏

* بعُجوب أنقاء يَميلُ هَيَامُها *

وناقَةٌ عَجْباء‏:‏ بيِّنة العَجَب والعُجْبة، وشدَّ ما عَجِبَت، وذلك إذا دقَّ أعلى مؤخَّرها وأشرفت جاعرتاها؛ وهي خِلْقةٌ قبيحة‏.‏

‏(‏باب العين والدال وما يثلثهما‏)‏

‏(‏عدر‏)‏

العين والدال والراء ليس بشيء‏.‏ وقد ذُكرت فيه كلمة‏.‏ قالوا‏:‏ العدْر‏:‏ المطر الكثير‏.‏

‏(‏عدس‏)‏

العين والدال والسين ليس فيه من اللّغة شيء، لكنّهم يسمُّون الحبَّ المعروفَ عَدَساً‏.‏ ويقولون‏:‏ عَدَسْ، زجرٌ للبغال‏.‏ قال‏:‏

عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عليك إمارةٌ *** نَجوتِ وهذا تحملينَ طليقُ

وقوله‏:‏

*إذا حَمَلْتُ بِزَّتي على عَدَس *

فإنّه يريد البغلة، سمَّاها ‏"‏عَدَسْ‏"‏ بزَجْرها‏.‏

‏(‏عدف‏)‏

العين والدال والفاء أُصَيلٌ صحيح يدلُّ على قِلّةٍ أو يسيرٍ من كثير‏.‏ من ذلك العَدْف والعَدُوف، وهو اليسير من العَلَف‏.‏ يقال‏:‏ ما ذاقت الخيل عَدُوفاً‏.‏ قال‏:‏

ومُجَنَّباتٍ مـا يَذُقْـنَ عَدوفـاً *** يَقذِفـن بالمُهَـرات والأمهارِ

والعَدْف‏:‏ النَّوال القليل‏.‏ يقال‏:‏ أصبنا ماله عَدْفا‏.‏

ومن الباب العِدْفة، وهي كالصَّنِفَة من الثَّوب‏.‏ وأمَّا قول الطرِمَّاح‏:‏

حَمّالُ أثقالِ دِيات الثَّأَى *** عن عِدَف الأصل وكُرَّامِها

قالوا‏:‏ العِدَف‏:‏ القليل‏.‏

‏(‏عدق‏)‏

العين والدال والقاف ليس بشيء‏.‏ وذكروا أنّ حديدةً ذاتَ شُعَبٍ يُستخرج بها الدَّلو من البئر يقال لها‏:‏ عَوْدَقة‏.‏ وحكَوا‏:‏ عَدَق بِظَنِّه، مثل رَجَم‏.‏ وما أحسب لذلك شاهداً من شعرٍ صحيح‏.‏

‏(‏عدك‏)‏

العين والدال والكاف ليس بشيء، إلاّ كلمةً من هَنَواتِ ابن دُرَيد، قال‏:‏ العَدْك‏:‏ ضرب الصُّوف بالمِطْرَقة‏.‏

‏(‏عدل‏)‏

العين والدال واللام أصلان صحيحان، لكنَّهما متقابلان كالمتضادَّين‏:‏ أحدُهما يدلُّ على استواء، والآخر يدلُّ على اعوجاج‏.‏

فالأول العَدْل من النَّاس‏:‏ المرضيّ المستوِي الطّريقة‏.‏ يقال‏:‏ هذا عَدْلٌ، وهما عَدْلٌ‏.‏ قال زهير‏:‏

متى يَشْتجرْ قومٌ يَقُلْ سَرَوَاتُهُمْ *** هُم بيننا فهمْ رِضاً وهُمُ عدلُ

وتقول‏:‏ هما عَدْلانِ أيضاً، وهم عُدولٌ، وإن فلاناً لعَدْلٌ بيِّن العَدْل والعُدُولة‏.‏ والعَدْل‏:‏ الحكم بالاستواء‏.‏ ويقال للشَّيء يساوي الشيء‏:‏ هو عِدْلُه‏.‏ وعَدلْتُ بفلانٍ فلاناً، وهو يُعادِله‏.‏ والمُشْرِك يَعدِل بربِّه، تعالى عن قولهم عُلُوَّاً كبيراً، كأنه يسوِّي به غيره‏.‏

ومن الباب‏:‏ العِدْلان‏:‏ حِمْلا الدَّابّة، سمِّيا بذلك لتساويهما‏.‏ والعَديل‏:‏ الذي يعادلك في المَحْمِل‏.‏ والعَدْل‏:‏ قِيمة الشيء وفِدَاؤُه‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يُقبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ‏}‏ ‏[‏البقرة 123‏]‏، أي فِدْية‏.‏ وكلُّ ذلك من المعادَلة، وهي المساواة‏.‏

والعَدْل‏:‏ نقيض الجَوْر، تقول‏:‏ عَدَل في رعيته‏.‏ ويومٌ معتدل، إذا تساوَى حالا حرِّه وبَرْدِه، وكذلك في الشيء المأكول‏.‏ ويقال‏:‏ عدَلْتُه حتى اعتدل، أي أقمته *حتى استقامَ واستوَى‏.‏ قال‏:‏

صَبَحْتَ بها القوم حتى امْتَسَكْـ *** ـتَ بالأرض تَعْدِلُها أن تميلا

ومن الباب‏:‏ المعتدلِة من النُّوق، وهل الحسنة المتَّفقة الأعضاء‏.‏ فأمَّا قولهم لِضرْبٍ من السُّفن‏:‏ عَدَوْلِيَّة، فقد يجوز أن يكون من القياس الذي قِسْناه، لأنها لا تكون إِلاّ مستويةً معتدِلة‏.‏ على أنَّ الخليلَ زَعَم أنّها منسوبة إلى موضعٍ يقال له عَدَوْلَى‏.‏ قال طرفة‏:‏

عَدَوْليَّةٍ أو من سفين ابنِ يامِنٍ *** يجورُ بها الملاَّحُ طوراً ويهتدِي

فأمّا الأصل الآخَر فيقال في الاعوجاج‏:‏ عَدَل‏.‏ وانعدَلَ، أي انعَرَج‏.‏ وقال ذو الرُّمَّة‏:‏

وإِنِّي لأُنحِْي الطَّرفَ من نحوِ غيرها *** حياءً ولو طاوعتُه لم يُعادِل

‏(‏عدم‏)‏

العين والدال والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على فِقْدَان الشيء وذَهابه‏.‏ من ذلك العَدَم‏.‏ وعَدِم فلانٌ الشَّيء، إذا فقده‏.‏ وأعْدمه الله تعالى كذا، أي أفاتَه‏.‏ والعديم‏:‏ الذي لا مالَ لـه؛ ويجوز جمعُه على العُدَماء، كما يقال فقير وفُقَراء‏.‏ وأعْدَمَ الرّجلُ‏:‏ صار ذا عدمٍ‏.‏ وقال في العديم‏:‏

وعَدِيمُنـا متـعففٌ متـكرِّمٌ *** وعلى الغنيِّ ضَمانُ حقِّ المُعْدِمِ

وقال في العدم حسّانُ بن ثابت‏:‏

رُبَّ حِلمٍ أضاعه عَُدَُم الما *** لِ وجهلٍ غطّى عليه النّعيمُ

‏(‏عدن‏)‏

العين والدال والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على الإقامة‏.‏ قال الخليل‏:‏ العَدْن‏:‏ إقامة الإبل في الحَمْض خاصّة‏.‏ تقول‏:‏ عَدَنَت الإبل تَعْدِن عَدْناً‏.‏ والأصل الذي ذكره الخليل هو أصلُ الباب، ثمَّ قيس به كلُّ مُقام، فقيل جنةُ عَدْنٍ، أي إقامة‏.‏ ومن الباب المعدِنُ‏:‏ مَعدن الجواهر‏.‏ ويقيسون على ذلك فيقولون‏:‏ هو مَعدن الخَير والكَرَم‏.‏ وأمّا العِدَان والعَدان فساحِلُ البحر‏.‏ ويجوز أن يكون من القياس الذي ذكرناه، وليس ببعيد‏.‏ وقال لبيد‏:‏

لقد يعلم صَحبي كلُّهم *** بِعَدَانِ السَّيفِ صبري ونَقَلْ

وعَدَنُ‏:‏ بلد‏.‏

‏(‏عدو‏)‏

العين والدال والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يرجع إليه الفروعَ كلّها، وهو يدلُّ على تجاوُزٍ في الشيء وتقدُّمٍ لما ينبغي أن يقتصر عليه‏.‏ من ذلك العَدْو، وهو الحُضْر‏.‏ تقول‏:‏ عدا يعدو عَدْواً، وهو عادٍ‏.‏ قال الخليل‏:‏ والعُدُوُّ مضموم مثقّل، وهما لغتان‏:‏ إحداهما عَدْو كقولك غَزْو، والأُخرى عُدُوّ كقولك حُضور وقُعود‏.‏ قال الخليل‏:‏ التعدّي‏:‏ تجاوز ما ينبغي أن يُقْتَصَر عليه‏.‏ وتقرأ هذه الآية على وجهين‏:‏ ‏{‏فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بغيرِ علمٍ‏}‏ و‏{‏عُدُوَّاً‏}‏ ‏[‏الأنعام 108‏]‏‏.‏ والعادي‏:‏ الذي يعدو على الناس ظُلْماً وعُدواناً‏.‏ وفلانٌ يعدو أمرَكَ، وما عَدَا أنْ صَنَع كذا‏.‏ ويقال من عَدْوِ الفرس‏:‏ عَدَوَانٌ، أي جيِّد العَدْوِ وكثيرُه‏.‏ وذئب عَدَوَانٌ‏:‏ يعدُو على الناس‏.‏ قال‏:‏

نُهْدُ القُصَيْرَى عَدَوانُ الجَمْزِ

تَذْكُرُ إذ أنت شديدُ القَفْزِ وتقول‏:‏ ما رأيت أحداً ما عدا زَيْداً‏.‏ قال الخليل‏:‏ أي ماء جاوَزَ زيداً‏.‏ ويقال‏:‏ عدا فلانٌ طَورَه‏.‏ ومنه العُدْوانُ، قال‏:‏ وكذلك العَدَاء، والاعتداء، والتعدِّي‏.‏ وقال أبو نُخَيلة‏:‏

ما زال يَعدُو طَورَه العبدُ الرَّدِي *** ويعتدي ويعتدي ويعتدي

قال‏:‏ والعُدْوان‏:‏ الظلم الصُّراح‏.‏ والاعتداء مشتقٌّ من العُدْوَان‏.‏ فأمَّا العَدْوَى فقال الخليل‏:‏ هو طلبك إلى والٍ أو قاضٍ أن يُعدِيَك على مَن ظَلَمك أي يَنقِم منه باعتدائه عليك‏.‏ والعَدْوَى ما يقال إِنّه يُعدِي، من جَرَبٍ أو داء‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏"‏لا عَدْوَى ولا يُعدِي شيء شيئاً‏"‏‏.‏ والعُدَاء كذلك‏.‏ وهذا قياسٌ، أي إذا كان به داء لم يتجاوزْه إليك‏.‏ والعَدْوَة‏:‏ عَدوَة اللّصّ وعدوة المُغِير‏.‏ يقال عدا عليه فأخَذَ مالَه، وعدا عليه بسيفه‏:‏ ضَرَبه لا يريد به عدواً على رجليه، لكن هو من الظُّلم‏.‏ وأما قوله‏:‏

* وعادت عَوادٍ بيننا وخُطُوب *

فإنّه يريد أنّها تجاوَزَتْ حتَّى شغلت‏.‏ ويقال‏:‏ *كُفَّ عنا عادِيتَك‏.‏ والعادية‏:‏ شُغل من أشغال الدَّهر يَعدُوك عن أمرك، أي يَشغلُك‏.‏ والعَدَاء‏:‏ الشُّغْل‏.‏ قال زُهير‏:‏

فصَرِّمْ حَبلَها إِذْ صرَّمتهُ *** وعَادَك أن تلاقِيَها عَداءُ

فأمّا العِدَاء فهو أن يُعادِيَ الفرسُ أو الكلبُ ‏[‏أو‏]‏ الصَّيّادُ بين صيدين، يَصرع أحدَهما على إثر الآخر‏.‏ قال امرؤ القيس‏:‏

فعادَى عِداءً بين ثَورٍ ونعجة *** وبين شَبوبٍ كالقضيمة قَرْهبِ

فإن ذلك مشتقٌّ من العَدْو أيضاً، كأنّه عَدَا على هذا وعدا على الآخَر‏.‏ وربما قالوا‏:‏ عَدَاء، بنصب العين‏.‏ وهو الطَّلَق الواحد‏.‏ قال‏:‏

* يَصْرع الخَمْسَ عَدَاءً في طَلَق *

والعَدَاء‏:‏ طَوَار كلِّ شيء، انقاد معه عَرضه أو طُوله‏.‏ يقولون‏:‏ لزِمتُ عَدَاء النَّهر، وهذا طريقٌ يأخُذ عَداءَ الجَبل‏.‏ وقد يقال العُِدْوة في معنى العَداء، وربما طُرحت الهاء فيقال عِدْوٌ، ويُجمَع فيقال‏:‏ أعداء النّهر، وأعداء الطريق‏.‏ قال‏:‏ والتَّعداء‏:‏ التَّفعال‏.‏ وربما سمّو المَنْقَلة العُدَواء‏.‏ وقال ذو الرمة‏:‏

هامَ الفؤادُ بذكراها وخامَرَهُ *** منها على عُدَواء ‏[‏الدَّارِ‏]‏ تَسقيمُ

قال الخليل‏:‏ والعِنْدأْوَة‏:‏ التواء وعَسَر قال الخليل‏:‏ وهو من العَدَاء‏.‏ ونقول‏:‏ عَدَّى ‏[‏عن الأمر‏]‏ يعدِّي تعديةً، أي جاوزَه إلى غيره‏.‏ وعدّيت عنِّي الهَمَّ، أي نحّيته عنِّي‏.‏ وعدِّ عنِّي إلى غيري‏.‏ وعَدِّ عن هذا الأمر، أي تجاوَزْه وخُذ في غيره‏.‏ قال النابغة‏:‏

فعدِّ عمّا ترى إِذْ لا ارتجاعَ لـه *** وانمِ القُتود على عَيرانةٍ أُجُدِ

وتقول‏:‏ تعدّيت المفازةَ، أي تجاوزتُها إلى غيرها‏.‏ وعَدَّيت النّاقةَ أُعدِّيها‏.‏ قال‏:‏

ولقد عَدَّيْتَ دَوْسَرَةً *** كعَلاَة القَيْنِ مِذكارا

ومن الباب‏:‏ العدُوّ، وهو مشتقٌّ من الذي قدّمْنا ذِكره، يقال للواحد والاثنين والجمعِ‏:‏ عدوّ‏.‏ قال الله تعالى في قِصّة إبراهيم‏:‏ ‏{‏فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلاَّ رَبَّ الَعالمِين‏}‏ ‏[‏الشعراء 77‏]‏‏.‏ والعِدَى والعُدَى والعادِي والعُدَاة‏.‏ وأمّا العُدَواء فالأرض اليابسة الصلبة، وإِنّما سمِّيت بذلك لأنّ مَن سكنها تعدّاها‏.‏ قال الخليل‏:‏ وربّما جاءت في جوف البئر إذا حفرت، وربَّما كانت حجراً حتَّى يَحِيدوا عنها بعضَ الحَيْد‏.‏ وقال العجّاج في وصف الثَّور وحَفْرة الكِناس، يصفُ أنّه انتهى إلى عُدَوَاءَ صُلبةٍ فلم يُطِقْ حَفْرَها فاحرَوْرَف عنها‏:‏

وإن أصابَ عُدَوَاءَ احْرَورفا *** عنها ووَلاَّها الظلُّوف الظُّلَّفا

والعُِدْوة‏:‏ صَلابةً من شاطئ الواد‏.‏ ويقال عُدْوة، لأنّها تُعادِي النهر مثلاً، أي كأنّهما اثنان يتعادَيانِ‏.‏ قال الخليل‏:‏ والعَدَويّة من نبات الصَّيف بعد ذَهاب الرَّبيع، يخضرُّ فترعاه الإبل‏.‏ تقول‏:‏ أصابت الإِبل عَدَويَّة، وزنه فَعَليّة‏.‏

‏(‏عدب‏)‏

العين والدال والباء زعم الخليل أنَّه مهمل، ولعلَّه لم يبلغْه فيه شيء‏.‏ فأمّا البناء فصحيح‏.‏ والعَدَاب‏:‏ مسترِقٌّ من الرَّمل‏.‏ قال ابن أحمر‏:‏

كثَور العَدَاب الفَرْدِ يَضْرِبُه الندى *** تَعلَّى النَّدى في مَتْنِهِ وتحدّرا

والله أعلم‏.‏

‏(‏باب العين والذال وما يثلثهما‏)‏

‏(‏عذر‏)‏

العين والذال والراء بناء صحيح له فروعٌ كثيرة، ما جَعلَ الله تعالى فيه وجهَ قياسٍ بَتَّةً، بل كلُّ كلمةٍ منها على نَحوِها وجِهَتها مفردة‏.‏ فالعُذْر معروف، وهو رَوْم الإنسان إصلاحَ ما أُنكِرَ عليه بكلام‏.‏ يُقال منه‏:‏ عَذَرْتُه فأنا أَعْذِرُه عَذْراً، والاسم العُذْر‏.‏ وتقول‏:‏ عَذَرْتُه من فلان، أي لُمْتُه ولم ألُم هذا‏.‏ يُقال‏:‏ مَن عذيري من فلان، ومَن يَعذِرني منه‏.‏ قال‏:‏

أُريد حِبَاءه ويُريدُ قَتْلي *** عَذيرَكَ من خليلكَ من مُرادِ

ويقال إنّ عَذِير الرّجل‏:‏ ما يروم ويُحاوِل ممّا يُعذَر عليه إذا فَعَله‏.‏ *قال الخليل‏:‏ وكان العجّاجُ يرمُّ رَحْلَه لسفرٍ أرادَه، فقالت امرأتُه‏:‏ ما ‏[‏هذا‏]‏ الذي ترُمُّ ‏؟‏ فقال‏:‏

* جارِيَ لا تستنكري عَذِيري *

يريد‏:‏ لا تُنكرِي ما أحاول‏.‏ ثم فَسَّر في بيتٍ آخر فقال‏:‏

* سيري وإشفاقي على بعيري *

وتقول‏:‏ اعتذر يَعتذِر اعتذاراً وعِذْرة من ذنبه فعذرْتُه‏.‏ والمَعذِرة الاسم‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالُوا مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ‏}‏ ‏[‏الأعراف 164‏]‏‏.‏ وأعذَر فلانٌ إذا أبْلَى عُذْراً فلم يُلَمْ‏.‏ ومن هذا الباب قولهم‏:‏ عذَّر الرّجلُ تعذيراً، إذا لم يبالِغ في الأمر وهو يريكَ أنّه مبالغٌ فيه‏.‏ وفي القرآن‏:‏ ‏{‏وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ‏}‏ ‏[‏التوبة 90‏]‏، ويقرأ‏:‏ ‏{‏المُعْذِرُون‏}‏‏.‏ قال أهل العربيّة‏:‏ المُعْذِرون بالتخفيف هم الذين لهم العُذْر، والمعذِّرون‏:‏ الذين لا عُذْرَ لهم ولكنَّهم يتكلَّفون عُذراً‏.‏ وقولهم للمقصِّر في الأمر‏:‏ مُعَذِّر، وهو عندنا من العُذْر أيضاً، لأنَّه يقصِّر في الأمر مُعوِّلاً على العُذْر الذي لا يريد يتكلف‏.‏

وباب آخَر لا يشبه الذي قبلَه، يقولون‏:‏ تعذَّر الأمرُ، إذا لم يَستقِم‏.‏ قال امرؤُ القيس‏:‏

ويوماً على ظَهرِ الكثَيب تَعذَّرتْ *** عَلَيَّ وآلت حَلْفةً لم تَحَلَّلِ

وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبلَه‏:‏ العِذار‏:‏ عِذار اللِّجام‏.‏ قال‏:‏ وما كان على الخَدَّين من كيٍّ أو كدحٍ طُولاً فهو عذار‏.‏ تقول من العِذَار‏:‏ عَذَرْتُ الفرس فأنا أعذُِرُه عَذْراً بالعِذار، في معنى ألجمته‏.‏ وأعْذَرتُ اللِّجام، أي جعلت له عِذاراً‏.‏ ثم يستعيرون هذا فيقولون للمنهمِك في غَيِّه‏:‏ ‏"‏خَلَعَ العِذار‏"‏‏.‏ ويقال من العِذار‏:‏ عَذّرْتُ الفرسَ تعذيراً أيضاً‏.‏

وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبلَه‏.‏ العِذَار، وهو طعامٌ يدعى إليه لحادثِ سُرُور‏.‏ يقال منه‏:‏ أعذروا إعذاراً‏.‏ قال‏:‏

كلَّ الطَّعامِ تشتهي ربيعَهْ *** الخُرْسُ والإعذارُ والنقيعهْ

ويقال بل هو طعامُ الخِتان خاصّة‏.‏ يقال عُذِر الغُلامُ، إذا خُتِنَ‏.‏ وفلانٌ وفلانٌ عذارُ عامٍ واحد‏.‏

وباب آخر لا يشبه الذي قبله‏:‏ العَذَوَّر، قال الخليل‏:‏ هو الواسع الجَوف الشديد العِضاض‏.‏ قال الشاعر يصف الملْكَ أنه واسعٌ عريض‏:‏

وحازَ لنا الله النُّبوّةَ والهدى *** فأعطى به عزّاً ومُلكاً عَذَوَّرَا

ومما يشبه هذا قول القائل يمدح‏:‏

إذا نزلَ الأضيافُ كان عذَوَّراً *** على الحيِّ حتى تَستقِلَّ مَرَاجِلُه

قالوا‏:‏ أراد سيءَ الخلق حَتَّى تُنصَب القُدور‏.‏ وهو شبيه بالذي قاله الخليل في وصف الحمار الشديد العضاض‏.‏

وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبله‏:‏ العُذْرة‏:‏ عُذْرَة الجارية العذراء، جاريةٌ عذراءُ‏:‏ لم يَمسَّها رجل‏.‏ وهذا مناسبٌ لما مضى ذكرُه في عُذْرة الغلام‏.‏

وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله‏:‏ العُذرة‏:‏ وجعٌ يأخذ في الحَلْقِ‏.‏ يقال منه‏:‏ عُذِر فهو معذور‏.‏ قال جرير‏:‏

غمزَ ابن مُرَّةَ يا فرزدَقُ كَيْنَهَا *** غَمْزَ الطبيبِ نَغانغ المعذورِ

وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله‏:‏ العُذْرة‏:‏ نجمٌ إذا طلع اشتدَّ الحر، يقولون‏:‏ ‏"‏إذا طلعَتِ العُذْرة، لم يبق بعُمان بُسْرَة‏"‏‏.‏

وباب آخر لا يشبه الذي قبله‏:‏ العُذْرة‏:‏ خُصلةٌ من شعر، والخُصلة من عُرف الفَرَس‏.‏ وناصيتُه عُذرة‏.‏ وقال‏:‏

* سَبِط العُذرَةِ ميّاح الحُضُرْ *

وبابٌ آخر لا يشبه الذي قبله‏:‏ العَذِرة‏:‏ فِناء الدّار‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏"‏اليهودُ أنتَنُ خَلْق الله عَذِرَة‏"‏، أي فناءً‏.‏ ثم سمِّي الحَدَثُ عَذِرة لأنَّه كان يُلقَى بأفنية الدُّور‏.‏

‏(‏عذق‏)‏

العين والذال والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على امتدادٍ في شيء وتعلق شيءٍ بشيء‏.‏ من ذلك العِذْق عِذْق النَّخلة، وهو شمراخ من شماريخها‏.‏ والعَذْق‏:‏ النخلة، بفتح العين‏.‏ وذلك كله من الأشياء المتعلِّقة بعضُها ببعض‏.‏ قال‏:‏

ويُلْوِي بريَّان العَسِيب *كأنه *** عَثَا كِيل عَذْقٍ من سُمَيْحَة مُرطبِ

قال الخليل‏:‏ العِذْق من كلِّ شيء‏:‏ الغُصْن ذو الشُّعَب‏.‏

ومن الباب‏:‏ عُذِقَ الرّجُل، إذا وُسمَ بعلامةٍ يعرَف بها‏.‏ وهذا صحيح، وإنما هذا من قولهم‏:‏ عَذَقَ شاتَهُ يَعْذُقُهَا عَذْقَاً، إذا علَّقَ عليها صوفةً تخالفُ لونَها‏.‏

وممّا جرى مجرى الاستعارة والتمثيل قولهم‏:‏ ‏"‏في بني فلانٍ عِذْقٌ كَهْلٌ‏"‏ إذا كان فيهم عِزٌّ ومَنْعَة‏.‏ قال ابن مُقْبِل‏:‏

وفي غَطَفَانَ عِذْقُ صِدقٍ ممنَّعٌ *** على رغم أقوامٍ من النّاس يانعُ

‏(‏عذل‏)‏

العين والذل واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على حَرٍّ وشِدّةٍ فيه، ثم يقاس عليه ما يقاربه‏.‏ ومن ذلك اعتذَل الحرُّ‏:‏ اشتدّ‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ أيّام مُعتذلات‏:‏ شديداتُ الحرارة‏.‏

ومما قيس على هذا قولهم‏:‏ عَذَل فلانٌ عَذْلاً، والعَذَل الاسم‏.‏ ورجلٌ عذّالٌ وامرأة عذَّالة، إذا كثر ذلك منهما‏.‏ والعُذَّال الرِّجال، والعُذّل النِّساء‏.‏ وسمِّيَ هذا عَذْلاً لما فيه من شدّة ومَسِّ لَذْع‏.‏ قال‏:‏

غَدَتْ عَذَّ التَايَ فقلتُ مهلاً *** أفي وجدٍ بسَلمى تَعذُلانِي

‏(‏عذم‏)‏

العين والذال والجيم والميم أُصيلٌ صحيح يدل على عَضٍّ وشِبهه‏.‏ قال الخليل‏:‏ أصل العَذْمِ العضّ، ثم يقال‏:‏ عَذَمَهُ بلسانه يَعْذِمُه عَذْماً، إذا أخذه بلسانه‏.‏ والعَذيمة‏:‏ الملامة‏.‏ قال الراجز‏:‏

يَظَلُّ مَن جارَاه في عذائمِ *** من عنفوانِ جريِهِ العُفاهِمِ

أي مَلاَمَات‏.‏ وفرسٌ عَذوم‏.‏ فأما العَذَمْذَم فإن الخليل ذكره في هذا الباب بغين معجمة، وقال غيره‏:‏ بل هو غَذَمْذَم بالغين‏.‏ قال الخليل‏:‏ وهو الجُرَاف‏.‏ يقال‏:‏ مَوت غَذَمْذَم‏:‏ جُراف لا يُبقي شيئاً‏.‏ قال‏:‏

ثِقالُ الجفانِ والحلومِ رحاهُم *** رَحَى الماء يكتالون كَيْلاً عَذَمذَما

‏(‏عذي‏)‏

العين والذال والحرف المعتل أُصيل صحيح يدلُّ على طِيبِ تُربة قال الخليل وغيره‏:‏ العَذَاةُ‏:‏ الأرض الطيِّبة التربة، الكريمة المَنبِت‏.‏ قال‏:‏

بأرضٍ هِجانِ التُّرْب وَسميَّة الثَّرَى *** عَذَاةٍ نأت عنها المُؤُوجة والبحرُ

قال‏:‏ والعِذْيُ، الموضع يُنبِت شتاءً وصيفاً من غير نَبع‏.‏ ويقال‏:‏ هو الزرع لا يُسقَى إلاّ من ماء المطر، لبُعده من المياه‏.‏ قالوا‏:‏ ويقال لهذا العَذا، الواحدة عَذاةٌ‏.‏ وأنشدوا‏:‏

بأرضٍ عَذاةٍ حَبَّذا ضَحَواتُها *** وأطيبُ منها ليلُه وأصائله

‏(‏عذب‏)‏

العين والذال والباء أصلٌ صحيح، لكنّ كلماتِه لا تكاد تنقاس، ولا يمكن جمعُها إلى شيء واحد‏.‏ فهو كالذي ذكرناه آنفاً في باب العين والذال والرّاء‏.‏ وهذا يدلُّ على أنّ اللُّغة كلَّها ليست قياساً، لكنْ جُلُّها ومعظمُها‏.‏

فمن الباب‏:‏ عَذُبَ الماءُ يَعْذُبُ عُذُوبَةً، فهو عَذْبٌ‏:‏ طيّب‏.‏ وأعذَبَ القومُ، إذا عذُب ماؤهم‏.‏ واستعذبوا، إذا استقَوا وشَرِبوا عَذْباً‏.‏

وبابٌ آخر لا يُشِبه الذي قبلَه، يقال‏:‏ عَذَب الحمار يَعْذِب عَذْباً وعُذوباً فهو عاذبٌ ‏[‏و‏]‏ عَذُوب‏:‏ لا يَأكل من شدّة العطش‏.‏ ويقال‏:‏ أعذَبَ عن الشَّيء، إذا لَهَا عنه وتركَه‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏"‏أعْذِبوا عن ذِكْر النِّساء‏"‏‏.‏ قال‏:‏

وتبدَّلوا اليعبوبَ بعد إلههم *** صَنَماً ففِرُّوا يا جَديل وأعذِبُوا

ويقال للفرس وغيرِه عَذوبٌ، إذا بات لا يأكل شيئاً ولا يشرب، لأنّه ممتنع من ذلك‏.‏

وبابٌ آخَر لا يشبه الذي قبله‏:‏ العَذُوب‏:‏ الذي ليس بينه وبين السّماء سِتر، وكذلك العاذب‏.‏ قال نابغةُ الجعديُّ‏:‏

فباتَ عَذُوباً للسَّماء كأنّه *** سُهيلٌ إذا ما أفردَتهُ الكواكبُ

فأمّا قول الآخر‏:‏

بِتنَا عُذُوباً وباتَ البَقُّ يلْسَِبُنا *** عند النُّزولِ قِراناً نَبْحُ دِرْواسِ

فممكن أن يكونَ أراد‏:‏ ليس بيننا وبين السَّماء سِتر، وممكنٌ أن يكون من الأول إذا باتُوا لا يأكلون ولا يَشرَبون‏.‏

*وحكى الخليل‏:‏ عذَّبتُه تعذيباً، أي فَطَمتُه‏.‏ وهذا من باب الامتناع مِن المأكل والمَشرَب‏.‏

وبابٌ آخرُ لا يُشبِه الذي قبله‏:‏ العَذاب، يقال منه‏:‏ عذَّب تعذيباً‏.‏ وناسٌ يقولون‏:‏ أصل العَذاب الضَّرب‏.‏ واحتجُّوا بقول زُهير‏:‏

وَخَلْفَها سائقٌ يحدُوا إذا خَشيت *** منه العَذابَ تمدُّ الصُّلبَ والعُنُقا

قال‏:‏ ثم استُعِير ذلك في كلِّ شِدّة‏.‏

وبابٌ آخرُ لا يُشبِه الذي قبلَه، يقال لطَرَف السَّوط عَذَبة، والجمع عَذَب‏.‏ قال‏:‏

غُضْفٌ مهرَّتَة الأشداقِ ضارية *** مثلُ السَّراحين في أعناقها العَذَبُ

والعَذَبة في قضيب البعير‏:‏ أسَلتُه‏.‏ والعُذَيب‏:‏ موضع‏.‏